الأربعاء، 29 فبراير 2012

كـــلــب مــتــشــرد فــــي كــازابـلانـكـــا ( بقلمي )





في البداية دعوني أعرفكم بنفسي ، اسمي "ريكو " و أنا كلب من الأحياء الهامشية لمدينة كازابلانكا ، لا أقصد أن اشتم نفسي بكلمة كلب ، لأني أنا فعلا كلب ابن كلب، أهز ذيلي و أعض و أنبح أيضا ... تعودت على التسكع في الأزقة البائسة و المتسخة رفقة  صديقي" حمودة شلاضة" وهو ليس كلبا يشبهني على الإطلاق و إنما طفل من تلك الفصيلة العجيبة التي تسمى بالبشر .. هو مثلي تماما ليس له بيت ولا عائلة و لا بطاقة هوية ....نظل نتسكع في الطرقات وحين نحس بالجوع نذهب للبحث عن الخبز اليابس و بقايا السمك المقلي في براميل الزبالة .. و في الليل نختبئ في تلك الحديقة المهجورة التي توجد خلف سوق الخردة ، و ننام على العشب المبلل بمياه المجاري السوداء...
أخبرني حمودة أن اليوم هو يوم عيد يسمونه عيد الأضحى ، وهو يوم مخصص لذبح الخرفان و أكل لحومها اللذيذة .. لذلك بدت الفرحة على وجهه البشري العجيب .. طلب مني الانتظار في الحديقة قليلا و أخبرني أنه ذاهب للبحث عن بقايا الخرفان في براميل الزبالة ، غاب ساعة كاملة ثم عاد محملا بما لذ وطاب من الأمعاء الغليظة و الرقيقة... جمع الكثير من الحجارة و وضع بعضها فوق بعض في شكل دائري ، ثم بدأت حفلة الشواء...إنه يلتهم الأمعاء بشراهة و يتلذذ بتمزيقها و السعادة بادية على وجهه النحيل .. ظل يأكل حتى شعر بالتخمة الشديدة ولم يعد قادرا على إدخال المزيد إلى معدته التي لم تعتد على الشبع.. لذلك ذهبنا إلى المزبلة الكبيرة ، و جمعنا كيسا من العظام و بعناها في سوق الخردة ...حصل " حمودة شلاظة" على كمية جيدة من النقود ، و اشترى قنينة كوكاكولا ، و بما أني لا أستهلك السلع الأمريكية ، فقد  ابتاع لي علبة حليب مبستر من النوع السويسري الفاخر ، لأول مرة في حياتي شعرت فعلا أني كلب ، و بدا في وجهي الامتنان الشديد لصديقي البشري .. لا أحد يهتم بي سوى هذا الطفل الطيب ...أما البشر الآخرون فلا يطيقون رؤيتي وكلما رأوني رجموني بالحجارة و اتهموني بأني كلب مسعور و أجرب ! رغم أني أصلا من عائلة بورجوازية ، جدي الأكبر " موريس " كان يسكن في فيلا فاخرة في حي كاليفورنيا الراقي رفقة جدتي العظيمة "لوكي" ...
في المساء ، بعد غروب الشمس بقليل ، أحس حمودة بالعطش الشديد و أراد أن يحصل على كوب ماء من تلك المقهى المجاورة للشارع الكبير ، لكن النادل المتغطرس صفعه بعنف و شتمته بألفاظ سوقية بذيئة و طرده إلى الشارع ، فخرج حمودة هاربا من المقهى بدون أن يلتفت يمينا و لا يسارا و لم يتوقف حتى صدمته سيارة تاكسي كانت تمر بسرعة كبيرة  تماما مثل بقرة مجنونة ، سقط صديقي ممددا على الأرض و سالت دمائه بغزارة حتى شكلت بركة حمراء .. أسرعت نحوه و أنا لا أدري ماذا افعل ( لأني كلب مشرد ولست دكتور) ... أظنه قد نام لأنه أغمض عينيه و لم يعد يتحرك ، استغربت كثيرا لأنه في العادة يفضل النوم في الحديقة المهجورة ، شرعت في النباح و في جره بأنيابي من سرواله الممزق و لحست وجهه الشاحب بلساني الطويل  ، لكنه لم يتحرك فدخلني الشك ...و سمعت بشريا من المتسولين يقول بأن الطفل قد مات.. مات ! لم أصدق أذني و غرقت في دموعي و نبحت بصوت متحشرج خافت و اسودت الدنيا في عيوني ...من سيكون صديقي بعد اليوم ؟ من سيجلب لي العشاء من براميل الزبالة ؟ من سيشتري لي علب الحليب المبستر ؟ ... بعد قليل جاءت سيارة متخصصة في نقل الزبالة  لحمله إلى مثواه الأخير ، لأن سيارة نقل الأموات لا تصلح مطلقا للمتشردين ....
تبعتهم حتى دفنوه في تلك الحفرة العميقة و الصامتة بالمقبرة التي توجد خلف سوق الخردة ، لم يقيموا له جنازة و لم يحضر الدفن سوى رجل متسول قرأ على قبره سورة من القرآن ثم انصرف للبحث عن رزقه أمام باب المسجد الكبير ...انتظرت حتى أصبح المكان فراغا و جلست أمام قبره صامتا حزينا ، أسترجع ذكرياتي معه و أحاول عبثا أن أحبس دموعي التي بللت قبر صديقي المسكين... كنت أشعر بالجوع لكن لم تكن عندي القدرة على وضع أي عظم في فمي، وبقيت على تلك الحالة ثلاثة أيام متوالية حتى خمدت أنفاسي بقرب صديقي البشري المشرد مثلي ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق