الأربعاء، 29 فبراير 2012

قصة رومانسية ..قاسية و واقعية


  كان يوم امتحان وصديقنا يجول بنظره داخل المدرج عله يجد الكلمة المناسبة لإتمام ترجمة نص قانوني اختاره أستاذ التخصص كامتحان.....كان يعبث بقلمه تارة و بورقة الإجابة تارة...إلى أن سمع أحدا يهمس..."س س س س س" فالتفت إلى يمينه فإذا بالفتاة التي تجلس بجانبه تشير بقلمها على كلمة في نص السؤال تريد معناها....استغرق صديقنا في النظر إلى الفتاة..إنها الفتاة التي رآها في محطة الحافلات و أمام مدخل الجامعة و في محل للوجبات السريعة...نعم إنها هي..فتاة حسناء رائعة...لكنه لم يلحظ أنها تدرس معه بنفس الفوج.. ثم سرعان ما أفاق من استغراقه...و كتب للفتاة معنى الكلمة في ورقة صغيرة...و هو يسترق النظر إلى حسن تلك الفتاة و هي منهمكة في ترجمة ذلك النص القانوني الذي سبب له جفافا في الحلق...انتهى الامتحان و خرج الطلبة مستنكرين لما سموه "بالعقوبة" و خرج صديقنا و شريكه يبحث عن مكان يسدان فيه رمقهما بعد أن أحس أن دماغه قد اضمحل و أصبح مثل حجر صغير يسبح في فضاء جمجمته،حين هم بالخروج تقدمت الفتاة بكل لطف و شكرت صديقنا على مساعدته لها...و مضت، لم يكترث لذلك لأنه أحس أن الفتاة مشغولة لدرجة أنها تنازلت كي تشكره...كان نظام الجامعة قد برمج للطلبة امتحانا كل أسبوع، اقترب موعد الامتحان الثاني و كان يوما باردا، دخل صديقنا بمعية شريكه ليأخذا مكانا استراتيجيا يسمح لهما بتناقل المعلومات لضمان علامة جيدة، ولجت تلك الفتاة قاعة الامتحان و ترآى لصديقنا أنه سينال علامة كاملة...لكنه سرعان ما رأى دمعة في عينيها..سألها فردت..أن والدها مصاب بالسرطان و أن حالته خطيرة استدعت نقله إلى مصلحة الاستعجالات...كان وقع هذه الكلمات ثقيلا على صديقنا رغم حداثة عهده بالفتاة إلا أن دموعها أدمت قلبه أكثر من أي شيء آخر....فهدأ من روعها ووعدها بأن يساعدها لاجتياز الامتحان و طلب من شريكه أن يساعدها إن لم تتح لصديقنا فرصة لذلك...ووجدا لها مكانا بينهما و اجتازت الامتحان..وخرجت مسرعة و دموعها خلفها قد اختلطت بماء المطر...وقف شريكه بجانبه وهو ينظر إليها مبتعدة "ها قد بدأنا" .     انقضت فترة الامتحانات و جاءت العطلة الربيعية...كان صديقنا في منزله يجلس أمام التلفاز حتى جال بخاطره تلك الفتاة و تساؤل عن أحوالها في نفسه و فجأة رن هاتفه...كانت صديقة الفتاة.فرد عليها ولم يكن مرتاحا لنبرة صوتها...نعم لقد توفي والدها...رحمة الله عليه...تأثر صديقنا و رق قلبه لحال الفتاة و لأنه لا يمكنه الذهاب شخصيا لتعزيتها و عائلتها لبعد المسافة بين المدينتين ، اتصل صديقنا بكل الزملاء في الجامعة ليعلمهم نبأ الوفاة كي يعزوا زميلتهم و طلب منهم أن يواسوها في مصابها لكن واحدا تلو الآخر تباعا كي لا يحركوا مواجعها كل اتصال و آخر...انتهت العطلة و كان صديقنا يجد حرجا في ملاقاة الفتاة خوفا من أن يراها في حال مزرية، لكن الفتاة كانت متماسكة و في أول يوم دراسي تقدمت إليه بالشكر..سارت الأيام و توطدت العلاقة بينهما فأصبحا يدخلان و يخرجان سوية و يذهبان إلى المطعم سوية .ولا يدخل أحدهما المحاضرة إلا بحضور الآخر..و ألف كل منهما الثاني و بدأت الغمزات واللمزات بين الزملاء وصديقنا يتلقى التهاني من زميلاته على اختياره الموفق...وبأنهما خلقا ليكونا لبعضهما..و ذات صباح دخلت تلك الفتاة و ألقت السلام على صديقنا وكانت تخبئ يديها داخل كميها..فأمسك صديقنا بيديها فاكتشف أن الفتاة تعاني من مشكلة في يديها و استحت أن تخرجهما أمامه...كانت عبارة عن حساسية حادة عانت منها طيلة أربع سنوات أفسدت عليها متعة الحياة، و قد زارت كل الأخصائيين و لم يجد ذلك نفعا...لم يحتمل صديقنا معاناتها و لم يهدأ له بال فأجرى اتصالات هنا و هناك إلى أن دله أحدهم عن أخصائي معالج بالأعشاب..لكنه يقطن بمكان بعيد جدا..لكن هذا لم يثني صديقنا عن عما عزم على فعله....فدلها على عنوان و رقم هاتف هذا الأخصائي..و لأن الفتاة وحيدة وليس لديها من الإخوة من يرافقها إلى المعالج ، عادت و طلبت من صديقنا أن يذهب بها و "يكمل خيره" و طلبت ذلك على استحياء..لم يدري صاحبنا ماذا يفعل..لأنها فاجئته..ودارت أسئلة كثيرة بخلده...ماذا لو..لكنها وثقت بي.. هذه مسؤولية...لكن هذه خدمة انسانية..إن لم أفعل فمن سيساعدها..و أخيرا قرر صديقنا أن يرافقها..و انطلقا باكرا إلى الوجهة المقصودة و التي تبعد حوالي الثلاث ساعات، كانت الفتاة تجلس بجانبه و صديقنا يقود السيارة و برأسه ألف فكرة و ألف كلمة...كان يحس أن كل الشجر و الجبال و الوديان  و السحاب ينظرون إليهما كعاشقين..كانت لحظات غريبة بالنسبة اليه و ذلك لأنه لم يسافر مع فتاة قط..كان صوت الراديو هو الشيء الوحيد الذي خفف من حدة ذلك الصمت الذي كاد يفضح كل شيء،تجاذبا أطراف الحديث عن الجو...عن العائلة و كان صديقنا في كل مرة يتجنب الحديث عن الوالد كي لا يذكرها بالمرحوم..كان كمن يتحاشى إيقاظ أسد في عرينه من شدة حرصه على عدم التطرق لأي فكرة من شأنها أن تذكرها بوالدها كي لا يفسد عليها رحلتها...وصل صديقنا و الفتاة الى وجهتهما، وبدأ المعالج عمله و كانت حالتها متأزمة جدا هذا ما قرأه صديقنا في وجه المعالج..انتهت حصة العلاج الأولى والتي ظهر من خلالها أنهما سيعودان ثانية...في موعد محدد،انطلق صديقنا بأقصى سرعة ليعيد "بنت الناس" إلى بيتها..ثم سرعان ما خفف السرعة خوفا من أن تصاب الفتاة بمكروه...وحين أدركت الفتاة أنهما سيصلان باكرا...طلبت من صديقنا أن يدخل مدينة غير بعيد عن العاصمة والتي كانت وجهتهم الأخيرة...لم يمانع صديقنا نظرا لأنه هناك متسع من الوقت، دخلا تلك المدينة و تبين بعد ذلك أن والد الفتاة ابن تلك المدينة..."هنا كان والدي يصطحبنا في العطل..ومن هذا المحل كنا نشتري".... "هنا بيت جدي لأبي"..ثم طلبت منه أن يتوقف عند أحد المطاعم..تناولا الغداء..ثم انطلقا من جديد ومن المفارقات التي حدثت أنه حين سمع الآذان توقف لأداء صلاة الظهر بالمسجد "جماعة"  كان يحاول أن يمسك تلك الضحكة الساخرة على نفسه إلا أنها أبت إلا أن تخرج مزعزعة أركانه،ربما كان على سجيته و عادته أثناء سفره، كان يتخيل نفسه ممسكا بسبحة في يده اليمنى و كأس ويسكي في يده اليسرى،كيف أنه ملتزم بمواقيت الصلاة من جهة و يسمح لنفسه بأن يختلي بفتاة بغض النظر عن كنه الدافع انسانيا أو شهوانيا، لكن هذا ما أسماه بإفرازات قنوات الأم بي سي التي تربى عليها جيله....و من عادة صديقنا و بحكم سفره وحيدا أنه يستغرق في التأمل و الحديث مع نفسه حتى أنه ينسى إن كان هنالك شخص ما معه..و هذا ما حدث له  و لما أحس بثقل وطأة الصمت الذي ساد أركان السيارة الصغيرة...التفت إلى الفتاة فرأى دموعها تنساب في صمت و قد أغرقت ذلك المنديل الورقي الذي لم يصمم ليتحمل ذلك الفيض من المشاعر...لقد وقع صديقنا فيما كان يتحاشاه طيلة الرحلة، حاول صديقنا تهدئتها دون جدوى، فركن السيارة إلى جانب الطريق و لم يجد بدا من أن يحتضنها بين ذراعيه و ياليته لم يفعل...لقد أحس بانكسارها و صدحت آهتها في أعماقه حتى ردت ضلوعه صداها.. و تنهدت حتى انصهر قلب الفتى و أحس بكربها...و انفرط عقد الدمع من مآقيه... كانت لحظة طويلة قصيرة ،حلوة بطعم المرارة،رومانسية في قالب قاس.....حين هدأت قليلا انطلق صديقنا من جديد و كان يحاول إضحاكها.. و ما أروع بزوغ الشمس من بعد المغيب...كانت تلك اللحظات كفيلة بأن يرى صديقنا كل الأشياء التي تحببه في تلك الفتاة...حزنت ثم فرحت..بكت ثم ضحكت...تكلمت ثم صمتت فكان كل هذا بمثابة فسيفساء بالغة الاتقان صنعتها يد فنان ...ومن أحسن من الخالق سبحانه، كانت لحظات رائعة تمنى صديقنا لو أن الطريق امتدت ولم تنتهي أبدا...منذ ذلك الحين أصبح يتخيلها  و يتمناها في أحلامه...يتخيلها في بيته و يراها في فراشه كما رآها في سيارته، يتخيلها أمامه حين يلبس و حين يأكل و يشرب.أوصلها إلى بيتها و كان منهكا لا يقوى على الحراك، ودعها و انصرف وكله شوق ليروي لشريكه  تفاصيل ذلك اليوم...

  جاءت فترة الامتحانات و طلبت الفتاة من صديقنا أن يحضرا للامتحان سويا...فكانا يلتقيان كل يوم إلى أن حان وقت اجتياز الامتحانات و صدف أن الفتاة  فوتت امتحانا و ذلك بسبب مشاكل عائلية تخص التركة و الإجراءات القانونية التي تطلبت حضور الفتاة شخصيا..فطلب منها الأستاذ إنجاز بحث كبديل عن الامتحان و تقديمه لكن في وقت قياسي لأن أستاذ المادة كان بصدد السفر إلى الخارج..فما كان على صديقنا إلا أن ينجز ذلك البحث نيابة عنها..و تم ذلك، عادت الفتاة من مدينتها، التقت به و حكت له عن كل مشاكلها العائلية و ما حدث أثناء تقسيم التركة....و كم بلغت حصتها فيها...هنا بدأ صديقنا يحس ببعض الانزعاج و ذلك خوفا من أن يجول بخاطر الفتاة أنه "داخل على طمع" لأن المادة هي أصل كل المشاكل، مرت الأيام وتوالت الاتصالات ليل نهار..كانت الفتاة تتصل به لتوقظه ولا تدخل المحاضرة حتى يصل،أمضوا أوقاتا رائعة..إلا أنه لم يصارحها بما كان يخالجه اتجاهها ..لكنه كان يفضل أن "يترجم" أحاسيسة إلى أفعال..كان يتجنب النظر إلى عينيها، لأنه كلما فعل أحس أن شيئا مدببا يزحف على حبله الشوكي صعودا إلى دماغه...ورعشة تسري في جسده..انتهت الامتحانات و حصل صديقنا و شريكه على علامة جيدة و بهذا انتهت معاناتهما و أنهيا دراستهما و ما تبقى سوى استلام الشهادات...لكن "يا فرحة ما تمت" فالفتاة وقعت فريسة تعسف الإدارة و أحيلت إلى الدورة الاستدراكية...و أجهشت الفتاة بالبكاء حين وجدت إسمها ضمن قائمة المحالين على  الدورة الاستدراكية و ارتمت في حضن صديقنا بقوة...لم يدري المسكين ما يصنع..لقد أحس في قرارة نفسه أنه نذير شؤم...لكن الجانب المشرق هو أن الفتاة بدأت تتعافى من تلك الحساسية بعد سنوات عجاف...ولأن صديقنا وقع بحب الفتاة بليلة "مافيها ضو قمر" فقد قرر أن يدخل الدورة الاستدراكية معها ليساعدها في اجتياز الامتحان...و هذا ما حدث فعلا..بدأت الدورة الاستدراكية و دخل صديقنا ولأن زملائه يعلمون أن اسمه لم يرد ضمن قائمة الذين يدخلون الدورة و ظلوا يحدقون به متسائلين مالذي يفعله هنا....جاءت الإجابة لكل تساؤلاتهم حين ولجت الفتاة القاعة... ،   

    و أثناء الدورة حدث أن الأستاذ قد تعرف على صديقنا بحكم أنه طالب متميز و لم يرد إسمه ضمن الدورات الاستدراكية خلال الأربع سنوات الماضية فأحرجه بالسؤال قائلا "مالذي أدخلك الدورة يا فلان.." ثم توجه بنظره إلى الفتاة ثم أردف قائلا..."لابد أن هناك سببا وجيها دفعك إلى ذلك"..لم يكن صديقنا يأبه كثيرا رغم أنه انسان خجول نوعا ما...لكنه ربما استغل الموقف من باب ..."اشهدوا يا قوم...أني أحب هذه الفتاة"..ظن صديقنا أن الموضوع انتهى ..لكنه سرعان ما علم أن الموضوع لم ينته بعد.فلكل شيء ثمن.."هل تعلم أن ما قمت به قد يكلفك سنة أخرى و ستعلق شهادتك..و تحال إلى المجلس التأديبي؟ أضاف الأستاذ...هنا و في هذه اللحظة صدح صوت في رأس صديقنا يقول "يااااااارب" على طريقة مسلسل باب الحارة .
   بعد كل هذه المخاطر و المعاناة ، نجحت الفتاة و حصلت على شهادتها و فرح الجميع و تنفسوا الصعداء.
   كانت الفتاة تجد صديقنا في كل لحظة أسى أو لحظة فرح، حتى إنها تتصل به في بعض المرات في منتصف الليل لتسأله عن ما ترتدي غدا....و كيف تترجم مقدمة نص قانوني أو أدبي....و حتى صديقنا يتصل بها ليسألها كيف ينظف لحم الدجاج و كيف يعرف أن القريدس الذي أحضره من السوق حقيقي أم بلاستيكي !! وماذا يضيف.الى....الخ
   جاء فصل الصيف و اشتد الحر و قلت حركة صديقنا و شريكه و أصبحا لا يغادران البيت إلا نادرا ليس فقط بسبب الحر و إنما كانا يمران بأزمة مالية....لأنهما  أنفقا ما بحوزتهما في الفترة الأخيرة حتى أنه لم يعد في وسعهما ملئ خزان الوقود و في نفس الوقت لا يمكن أن يطلبا من أهلهما أن يرسلا لهما مرة أخرى إلى أن تمر فترة معينة حتى يكون الطلب معقولا...هذا حال الطلبة الجامعيين!! ..بقيت السيارة ساكنة مغبرة  بلا حراك و كان صديقنا وشريكه يضحكان على حالهما بملئ فيهما على ما آلى إليه...فاكتفيا بالبقاء في البيت  و أطفآ جواليهما وبقيا على هذا الحال مدة أسبوع...إلى أن رن جرس الباب...من يا ترى؟..تسلل صديقنا إلى الباب و ألقى نظرة في العين السحرية..إنها الفتاة و صديقتها تقفان أمام الباب...ارتبك المسكين ولم يدري ما ذا يفعل..و لحسن حظه أنه و شريكه قد نظفا الشقة البارحة ابتداءا بقاعة الضيوف المليئة بقشور الجوز و أكياس الشيبس...و المطبخ المقلوب رأسا على عقب..يخيل لك حين تلجه أنك في الفلوجة وأن وحدة من وحدات المارينز قد سبقتك بخطوة إلى المكان...أكياس العجائن و علب جبن فارغة و علبة كاتشاب انفجرت  كاللغم بين يديه حين كان صديقنا يحاول فتحها و لك أن تتخيل لون الكاتشب يكسو المكان...كانت فوضى عارمة...فتح صديقنا الباب و رحب بالضيفتين وقدم لهما مشروبا باردا على مضض..ولأن المرأة فضولية بطبعها أرادت الفتاتان رؤية المكان فدخلتا إلى كل من غرفة صديقنا و شريكه ثم المطبخ و إن كان نظيفا لكن لم يكن مرتبا كما يجب. لحسن الحظ كانت الفتاة و صديقتها قد أحضرتا غداءا جاهزا و هكذا خففتا عناء تحضيره.
   انتهت جلسة الغداء و صديقنا يراقب فتاته كيف ذهبت إلى المطبخ و عادت ثم احضرت التحلية..من يريد المزيد؟ فصاح بأعلى صوته لكن في أعماق نفسه.أنا أريد..أريد كل شيئ فيك!! !!.. ،أحس صديقنا في لحظة أنها زوجته ذلك لأنه لم يبق هناك شيئ لم يفعلاه معا...درسا و أكلا و شربا و سافرا..ولم يبق إلا شيئ واحد...
    انتهت جلسة الغداء و بدأت جلسة العتاب، لم أطفأتما جهازيكما ولم... ولم؟. ولم؟
ولأن الأربعة صاروا أصدقاء فلم يجد صديقنا و شريكه إلا أن يبوحا بسريهما إلى الفتاتين و انفجرتا ضاحكتين...و استغربتا لم لم يطلبا منهما المساعدة..فأحس صديقنا وشريكه أنهما منكوبان يقفان بباب "الصليب الأحمر"، و اقترحت الفتاتان أن تخرجاهما من "العزلة" التي فرضها نظامهما الاقتصادي الفاسد، فملأتا  خزان السيارة بالوقود من مالهما و ذهب الجميع  إلى مدينة الألعاب..كان يوما رائعا و قد استمتع صديقنا و شريكه كثيرا وفعلا كان ذلك ما ينقصهما..لأنه لو لم تأت الفتاتان لإخراجهما لكانا قد أصيبا بالتوحد!!.
" أريد أن أنوه أنه لم يحدث شيئ في الشقة..فصديقنا يحب الفتاة حبا عذريا و يرى فيها زوجة له و أما لأولاده و راعية لماله و بيته و إسمه ، لأن بعض القراء قد يستنتجون ذلك من خلال الأحداث أو أن البعض قد يثقل في أنفسهم إكمال القصة لظنهم أن هذه قصة  علاقة آثمة لكن صديقنا المسكين رغم كثرة الأخطاء التي قام بها إلا أنه ليس من المفسدين في الأرض..ان شاء الله
    انفرجت الأزمة و وصل الدعم "اللوجيستي" لصديقينا،كنت قد ذكرت آنفا أن الفتاة تعاني من حساسية..في عز الحر اتصل المعالج بصديقنا ليذكره بموعد الجلسة الثانية، انطلق صديقنا بمعية الفتاة باكرا، استسلمت الفتاة للنوم و كان صديقنا يحاول السياقة بهدوء كي لا يوقظ تلك الظبية النائمة التي أظناها المرض و التعب...و أخيرا وصلا ، نزل صديقنا و طرق الباب فخرجت أم الطبيب المعالج و عرف منها أنه ليس بالبلدة و هاتفه مغلق و كانت الساعة في لوح السيارة تشير إلى الثاني عشر و عشرون دقيقة ودرجة الحرارة 39، انهارت الفتاة من التعب والحر و بلغ ذلك منهما كل مبلغ...واحمر وجهها لدرجة أن صديقنا ارتعب ولم يدر ما يفعل ..فأخذ قنينة ماء و أخذ يرش وجهها كي تفيق ثم أراد فتح حقيبة يدها ليخرج قارورة عطر لينعشها....لكنه غير متعود على لمس أغراض الآخرين و خصوصا امرأة...فاهتدى إلى صندوق القفازات الذي عادة ما يحفظ فيه قارورة عطر و لوح شكلاطة...فوضع القليل منه في منديل ورقي و جعلها تستنشقه..وسرعان ما زال الاحمرار الذي غطى وجهها...و حين تحسنت قليلا فهم منها أنها لا تحتمل الحرارة العالية و يجب أن لا تتعرض للشمس تحت أي ظرف..انطلق صديقنا إلى محل لبيع المثلجات و أوقف السيارة تحت شجرة وارفة الظل فرحت الفتاة بالمثلجات و كأنها فتاة صغيرة و بينما كانت منهمكة تسبح في فضاء من البرودة..كان صديقنا يقف في الحر ويحاول الاتصال بالطبيب المعالج لكن دون جدوى..إلى أن جاء الفرج، رن الهاتف..نعم أي أنت الآن أنا با نتظارك
    انتهت جلسة العلاج و لم يسمح لهما صاحب الدار بالمغادرة إلا بعد تناول الغداء.
في طريق العودة كانت الفتاة تشعر بالنشاط و كانت متفائلة لأن حالتها بدأت تتحسن و كان صديقنا يرفع معنوياتها على طول الطريق، ثم تطرقا لموضوع السياقة والسيارة و كانت الفتاة تتلقى دروسا في تعليم السياقة ثم طلبت منه أن يسمح لها بتولي القيادة وكان شرط صديقنا أن تتبع تعليماته و تستمع إلى كل ما يطلبه منها أثناء القيادة و توقف في شارع واسع لا يغص بالمارة...طلب منها صديقنا وضع حزام الأمان..ضبط المرآة العاكسة و الانطلاق ببطء شديد...فرحت الفتاة فرحا شديدا و هي تتحكم بالسيارة و توجهها يمنة ويسرة،أثناء سير السيارة ببطء طلب منها الالتفاف إلى اليمين ببطء و عند دخول الشارع أن ترجع عجلة القيادة لتسير السيارة في طريق مستقيم..لكن الفتاة ارتبكت ولم تصحح مسار السيارة و عوض الدوس على بدالة المكابح....داست بدالة البنزين (الخانق) بقوة  و انتفضت السيارة و اتجهت إلى سياج حديدي مدعم بخرسانة حينها أمسك صديقنا المقود بقوة ودفعه باتجاه الجهة المعاكسة لكن سرعة السيارة سبقته.... انجلى الغبار الناجم عن هذه المناورة...عجلة ممزقة و إطار منبعج...و لأن صديقنا نسي وضع حزام الأمان اصطدم حاجبه بالدعامة الداخلية لباب السيارة وكانت الفتاة مرتعبة خائفة....هدأ من روعها و أنزلها من السيارة و طلب منها الجلوس بالظل ريثما يرى مالذي يمكنه فعله.....لحسن الحظ أن المحرك لازال يعمل و هناك عجلة إضافية..كانت الشمس حارقة و صديقنا يحاول تركيب العجلة بمفرده و هي تأتي محاولة المساعدة فيطلب منها البقاء تحت الظل...تكرر هذا مرتين ...إلى أن فقد صوابه...و انفجر في وجهها..."قلت لك إبقي في الظل...لا أحتاج مساعدتك ولا أريد أن يحصل لك ما حصل اليوم...ماذا أفعل حينها أصلح هذه الخردة أم أصلحك أنت.... !! !! !! ،  انفجرت الفتاة بالبكاء لكن في صمت و في خضم كل هذا كانت هناك سيدة تطل من شرفة بيتها تراقب الأحداث في صمت.حين رفع صديقنا رأسه بعد أن  أنهى تركيب العجلة لاحظ وجودها وربما هذا مازاد من انفعاله.
   انطلق الاثنان والصمت يخيم على أرجاء السيارة المتوعكة،وسرعان مازال ذلك التوتر حين نزل صديقنا و أحضر قارورة مشروب بارد و علبة شكولاطة، ثم اعتذرت الفتاة عن تسببها في ذلك الحادث...كان المسكين يتألم لتألم سيارته ما أنساه ألم حاجبه المجروح لكنه كان جرحا سطحيا  .
   أوصل الفتاة إلى بيتها وذهب،كان المسكين يحس بوخز الضمير وكان يرى ذلك الحادث بمثابة رسالة أو تحذير...و بدأ الضمير يفعل فعلته...لم يكن من المفترض أن أفعل هذا...لكنها في حاجة إلي..ألا يوجد أحد في هذا العالم يمكنه مساعدتها إلا أنت؟؟....لكن.....، كان صديقنا المسكين في حيرة من أمره .
  ذهب كل إلى مدينته و دخل شهر التوبة والغفران وبهذا لن يلتقي صديقنا فتاته لأكثر من شهر، كان كلما اشتاق اليها عمد إلى جهازه و أخذ يقلب صورها فتهدأ نفسه و تطيب لرؤياها، كان يتصل كل منهما بالآخر و كان اشتياقه لها يزيد يوما بعد يوم ،مرت أيام وليالي رمضان المباركات و صديقنا يحاول جاهدا اغتنام هذا الشهر،وما إن توضع مائدة الإفطار حتى يأتي طيفها امامه..لقد أحبها بشدة...تمنى لو أنها زوجته التي تجلس معه على مائدة الإفطار..توقظه للصلاة..تكتب له قائمة المشتريات و تعاتبه على مانسي منها..تطلب منه احضار الحلويات بعد الرجوع من صلاة التراويح..ترسل له رسالة أحبك  وسط الجو العائلي لتثبت له أنها لم تنساه ولو للحظة...قد يجد القارئ هذا سخيفا لكن هذا هو احساسه...و في السادس والعشرين من رمضان 2011، لم يطق صديقنا صبرا، أراد أن يذهب ليراها لكنه لا يعرف أين تسكن لأن عائلتها تقطن بمدينة تبعد 400كم غرب مدينته.

   تذكر بعد أمة عنوانها و ذلك حين كانت تملأ طلب انتساب إلى جامعة غربية للتحضير لرسالة الماجيستير، دون العنوان في ورقة صغيرة وانطلق. كانت الساعة تشير إلى الحاية عشر ونصف و كان كل همه أن يرى الفتاة..دخل المدينة المنشودة قبل آذان المغرب بقليل..أفطر على جرعة ماء و حبات عنب و حين الانتهاء من صلاة المغرب سأل عن العنوان و تبين أنه لا يزال بعيدا،واصل طريقه إلى أن أذن العشاء ، بعد الفراغ من صلاة التراويح اتصل صديقنا بالفتاة...و كانت فرحته فرحتان...الأولى حين سمع صوتها والثانية حين سمع صوت الإمام الذي كان يجمع تبرعات المصلين يتردد في هاتفها و عرف أنه بالمكان الصحيح، انهى المكالمة و سأل أحد المارة عن منزل فلان فدله على مضض...كان قلبه يخفق أما الفتاة فلم تكن على علم بشيء...ركن صديقنا السيارة بمكان بعيد و وقف تحت شرفة المنزل و عاود الاتصال بها: وتأسف عن إنهاء المكالمة بسرعة ثم سألها عن الجو عندهم فقالت إنه رائع، ثم حاول استدراجها لتخرج...قال  أنه يقف على شرفة منزلهم و يتفرج على المارة الذي يقتنون ملابس العيد و أردف :هل لديكم مثل هذا المنظر قالت بالطبع، قال لها هل يمكن أن تصفي ذلك..فخرجت لتصف المنظر...لكنها عجزت....كان يقف ممسكا الهاتف وقد أثقله طول السفر..أما هي كانت ترتدي فستان نوم أبيض مليئ بدببة أو أرانب باللون الأحمر و شعرها الكستنائي يمسكه مشبك شعر يكاد يفلت من نعومته كمن يمسك سمكة بأيد مزيتة...كانت لحظة رائعة... و صديقنا واقف بشرفتها و حال لسانه يقول :
 مازال يركض بين أعماقي جواد جامح
سجنوه يوماً في دروب المستحيل
ما بين أحلام الليالي
كان يجري كل يوم ألف ميل
وتكسرت أقدامه الخضراء
وانشطرت خيوط الصبح في عينيه
واختنق الصهيل
 وقف كل منهما متسمرا ثم نطق اسمها وقال: اشتقت إليك و لم ينبس ببنت شفة ثم نطقت بتثاقل و كأنها بالإعادة بالبطيئة : أنـــت مجــــنون! !.
   عاد الفتى أدراجه بعد أن ودعها ، انطلق صديقنا و كانت والدته تتصل فطمأنها عليه ..كان يحس بخفة و يجد حلاوة غريبة ثم سرعان ما بدأت الأسئلة تتهاطل في ذهنه: ما ذا فعلت بنفسك؟...هل تبادلك نفس الشعور؟...هل أنت واثق من أنك لن تندم على مافعلت يوما؟...هل تستحق كل هذا؟...ثم عزى كل ما فعل إلى شيئ واحد.. أنه بعد عشرين أو ثلاثين سنة من ذلك اليوم أتذكر أني فعلت هذا بدافع حبي لها و قد قمت بكل ما أستطيع لتكون لي.
   وصل صديقنا قبل الفجر بقليل و انفجرت والدته مثل سد احتمل ثقل الماء أعواما و أعواما و انفجر في يوم مشمس...كذلك كان صديقنا...كان يحس بخفة غريبة و سعادة و والدته تريد أن تفهم مالذي يحصل معه! !.
   و كعادة الفتيات في تناقل الأخبار روت الفتاة لصديقتها القصة واتصلت به لتهنئه على فقدانه لعقله بصفة رسمية،و انها لم تتوقع أن يفعل شيئا كذلك وبأنه لا أحد يفعل ما فعل! !
  كان الوضع محرجا لكنه واقع،مرت الأيام و انقضى رمضان و انتظر صديقنا في يوم عيد ميلاده أن يرن هاتفه...لكن ..لم يرن شيئ!! كان يضرب أخماسا في أسداس، لكنه لم يجد عذرا و هذا لأنه لم ينس يوم ميلاد الفتاة و حتى صديقتها و قام بالواجب، و حين أوى صديقنا إلأى فراشه بعد أن تملكه اليأس ، رن هاتفه لكنه كان شريكه الذي لم ينس يوم ميلاد صديقه و سأله عما اذا اتصلت الفتاة وصديقتها لتهنئته...واستغرب شريكه عدم اتصالهما...لم يحتمل صديقنا هذا و أحس بالاهانة...وحاول نسيان الأمر.

   مرت الأيام و اقترب موعد يوم ميلاد الفتاة لكن عز على صديقنا الاتصال بها...فاتصلت به واستفسرت عن سبب الانقطاع ثم طلبت منه الحضور في يوم كذا وهو يوم احتفالها بعيد ميلادها وسمع صديقتها تسألها عن لون الغلاف الذي ستستخدمه في تغليف العلبة...فظن صديقنا أنهما بصدد اقتناء هدية له  و أنهم  سيتبادلون الهدايا في ذلك اليوم..انطلق صديقنا باكرا ليقطع مسافة 300كم تاركا ركاما من الأعمال وراءه ..نصوص تحتاج إلى ترجمة...و معاملات تنتظر التصديق...و طلبة ينتظرون دورهم لأخذ دروس تدعيمية في اللغة الانجليزية...وصل قبل طلوع النهار و التقى بالفتاة لقد اشتاق إليها لكن كان هناك شيء ما قد ثلم ذلك الشوق...سألها عما سيفعلونه فكان كالتالي: الذهاب إلى منتجع للتزلج في أعالي المدينة ثم الاستمتاع بوجبة ساخنة في مطعم فاخر ثم العودة إلى البيت....انطلق الأربعة وكانت رحلة رائعة و كان صديقنا شاردا قليلا لكن كان يحاول الاستمتاع لأنه أدرك في قرارة نفسه أنه لن تكون هناك رحلة أخرى.
   حين عاد الجميع في المساء تأكدت شكوك صديقنا فلم يكن هناك تبادل هدايا و أنها لم و لن تتذكر عيد ميلاده أو ربما لا تدري أصلا أي يوم ولد!..كان شريكه يودعهما قبل أن يهما بالنزول وكان صديقنا يتسائل:كيف لها أن تنسى ذلك؟..لم لم أنسى حتى يوم ميلاد صديقتها...لم لا تعاملني مثل ما أعاملها؟....كيف لنا أن نكون أصدقاء وهي لا تعرف يوم ميلادي حتى.. و أنا أعرف من تكون و أين تسكن و ما تحب وما تكره .. حتى أني أذكرها بمواعيد أخذ الدواء...وأعرف حتى يوم بداية ال...، كان المسكين يرزح تحت وطأة أسئلة أثقل من الجبال و أحد من السهام الليل...
  حين همت الفتاة بالنزول طلب إليها التريث و استسمح شريكه و صديقتها بالنزول لبرهة لأنه يريد أن يتحدث إلى الفتاة...استغرب الجميع هذا الطلب...حاول أن يتمالك نفسه بعد تسونامي الغضب الذي اجتاحه قبل برهة ثم قال:عندما تعرفت عليك بادئ الأمر لم تتعدي كونك زميلة..لكن بعد أن تغيرت وتسارعت أحداث كثيرة الفت خلالها رفقتك و حملت همومك و...فقاطعته الفتاة قائلة: لكن مالخطب؟ فطلب منها ألا تقاطعه بنبرة حادة لم تعهدها فيه من قبل...ثم أكمل :أمضيت أيامي أحاول أن اكون لك كما لم أكن لأحد من قبلك، تمنيت لو أن صحتي تاج لأضعه على رأسك و لا أبالي...بدأت دموع الفتاة تنساب فقال : إن دمعتك التي تنزل باردة على خدك هي جرح دامي في قلبي..حمم تشق أنفاسي و تذهب بروحي...أحببتك كما لم أحب من قبل...تمنيتك زوجة أرفع بها رأسي بين أهلي... وخليلة تحفظ إسمي و تداري خطيئتي...و حبيبة تقف ورائي بباب بيتي عند رحيلي...أحببتك و كانت كل حركة و كل سكنة تقول ذلك..لو فرق هذا الحب على سكانها لما بقي للكره مأوى......و نطقت الفتاة بعد دهر...وكانت كلمتها التي نطقتها بعد دهر..هي الكفر الذي أعاد لصديقنا إيمانه...قالت: لكني لم أحس بشيء اتجاهك قط...
   حين سمع المسكين هذه الكليمات... صمت أذناه وخارت قواه و هدأت ضربات قلبه...و سارعت الشمس إلى مغيبها و ألقى القمر بضلاله الباردة على الكون و رعرع الصمت في جنبات الأرض و دخلت الوحوش مخادعها و برد كل دافئ و جمد كل بارد...ولم يعد أي شيء شيئا..هذا ما خيل إلى صديقنا....ثم سرعان ما أعاد نفسه إلى حجمها...أنا مجرد جزيئ في هذا الكون المعجز الواسع..وحبي لهذه الفتاة ليس إلا نسخة كربونية تتكرر كل يوم و ترمى في رفوف الزمن.. و حفظا لماء وجهه...شغل سيارته المسكينة التي عانت الويلات بسبب هيام صاحبها...وسحب علبة من صندوق القفازات الذي طالما فتحه ليناولها مناديل ورقية أو عطرا أو دواءا... ثم سلمها إياها وقال...استمتعي بعيد ميلادك...و مضى لا يلوي على شيئ ثم رن هاتفه...وكان شريكه الذي نسيه فعاد ليأخذه مثلما نسي قلبه وعاد ليتركه هناك مرة أخرى ...
  جلس  ذلك المساء في شرفة منزل شريكه صامتا يرقب الطائرات التي تمر من هناك كل يوم..كلما مرت واحدة منها تساءل..هل يوجد بها أحد حدث له ما حدث لي؟..كان شريكه يروح و يجيء..أراد أن يضع مائدة العشاء التي اعتادا أن يحضراها سويا...لكنه لم يرد أن يقطع عليه صمته،كان شريكه المسكين يحس بما يعانيه صديقه لكن لم يجد ما يواسيه به،عزم المسكين أن يرحل ليلتها إلى مدينته لكن شريكه منعه من الذهاب ،حاول أن ينسيه بالدخول في حوار عن العمل...كان يحكي له عن تفاصيل العمل في مكتب الترجمة  والضغط اليومي وعن العمل في مدرسة خاصة والتي سيفقد فيها ما تبقى من رباطة جأش....بعدها بيومين رن هاتف صديقنا..كانت رسالة نصية كتب صاحبها : أموت فيك ..حبيتك و أنت ولا على بالك !...لم تكن الفتاة من أرسلت الرسالة...كانت صديقتها التي أرسلت ذلك الاعتراف...بعد خراب مالطا!!...وقف المسكين مشدوها ثم أخذ شريكه الهاتف ليفهم سر دهشة صديقه...ولم يفهم أي منهما ما يحصل.
   أما اليوم فصديقنا يعيش مثل الغريب، يرفض التعلق و المخالطة، منكسر الضمير،قلص دائرة معارفه، إذ أن هذه الحادثة قد أجلت بصره و كشفت له نكران الذين من حوله،فقام بمسح ذاكرة جواله إلا من رقم شريكه في انتظار صيحة تكنولوجية جديدة تمكنه من مسح ذاكرته الدماغية.
     
   هذه أطوار قصتي التي عايشتها و استخلصت منها أن الصداقة بين الرجل و المرأة لا يمكن أن تسلم من المطبات مالم تتوج بزواج، و أن ما بدأ بالخطأ لا ينتهي بصواب...فكل فعل مهما كبر أو صغر إن لم يرض عنه ربنا سبحانه و أهلينا لن يرى النور ويبقى في دهاليز الظلام ...و ينتهي في الظلام و أن العلاقة بين الرجل و المرأة خارج إطار الزواج هي أسوأ ما قد يحصل للشاب المؤمن المعتز بدينه.
   لست ضد ذلك الشعور الذي جعله ربنا سبحانه في قلوبنا...فبحبنا لربنا وبحبنا لنبيه صلى الله عليه وسلم وبحبنا لوالدينا نبلغ جنته و رضوانه،فالحب حياة كاملة ..
   أما الآن وقد انتهت القصة أريد أن أتقدم بالنصيحة إلى أخوتي و أخواتي:
    إذا كان للفتاة شيء تخسره و هو عفتها و طهرها...فلا لوم عليها لأنها ضعيفة و لا أقول هذا انتقاصا لأختي و أمي و خالتي ...و عمتي حاشا، وانما أقول هذا لأن المرأة ضعيفة رقيقة بطبعها ،  فيا شباب اتقوا الله في أنفسكم و لا تكونوا كالراعي الذي يرعى حول الحمى...فالقلب كالقماش الأبياض كل بقعة تأخذ رقعة حتى لن يبقى منه شيئ،ويا بنات اتقوا الله في أنفسكم واصبروا يرزقكم الله من حيث لا تحتسبن .

     و أخيرا اعذروني أخوتي على الإطالة وعن ركاكة الأسلوب والتكرار، فلو لم أحبكم في الله ما كتبت لكم و إلا فما حاجتي في أن تقرأوا قصتي...أدعوا لي بالهداية و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

0 التعليقات:

إرسال تعليق